«داغستان» .. احتضنت الإسلام عام 22 هجرية ويرقد في أرضها أكثر من 40 صحابيا
تعني باللغة التركية: بلد الجبال وبالفارسية: بلد الحر والحرارة -
التقــاه - سالم بن حمدان الحسيني -
اعتنقت الإسلام عام 22 هجرية في عهد سيدنا عمر بن الخطاب ويرقد تحت ثراها أكثر من 40 صحابيا، وعدد من التابعين، ويوجد بها العديد من الآثار الاسلامية الموغلة في القدم، وتعانق سماءها أكثر من 3440 منارة تعلو مساجدها المنتشرة في ربوعها، وتسقي أراضيها ٦ آلاف نهر ويقدر عدد المسلمين فيها بثلاثة ملايين ونصف المليون مسلم، يمثلون 97% من عدد السكان.. إنها جمهورية داغستان التي تعني باللغة التركية: بلد الجبال، وبالفارسية: بلد الحر والحرارة.. نتعرف عليها أكثر من خلال لقائنا التالي مع الدكتور شهاب الدين محمد حبيب حسينوف نائب مفتي جمهورية داغستان وممثل ووكيل ومندوب سماحة المفتي في العالمين العربي والإسلامي ومستشار رئيس الجامعة الحكومية للعلوم الإنسانية ومسؤول الطلاب الوافدين ورئيس قسم العلاقات الخارجية في الجامعة الذي التقيناه إبان مشاركته في ندوة تطور العلوم الفقهية التي أقيمت مؤخرا بالعاصمة مسقط حيث يقول:
جئت ممثلًا لسماحة مفتي داغستان الشيخ أحمد افندي، الذي يشغل أيضا رئيس اتحاد علماء داغستان، فهو لم يتمكن من حضور أي فعالية خارج داغستان نظرًا لكثرة المريدين الذين يتوافدون عليه من طلبة العلم، حيث يستقبل أكثر من خمسمائة مريد في اليوم الواحد.
احببت عمان وأهلها
وقد تحدث بداية عن انطباعه عن السلطنة قائلا: أحب السلطنة كثيرًا واعتبرها بلدي الثاني فقد زرتها أكثر من سبع مرات، وأشعر مع كل زيارة لهذه البلاد أنني واحد من أهلها، فلم أشعر بالغربة أبدا، وذلك لأن الشعب العماني يحب الضيوف كثيرًا ويكرمهم، وقد زرت الكثير من البلاد حول العالم ولكنني لم أجد هذا الشعور وهذا الانتماء الذي أجده في السلطنة، ولذلك أحببت هذه البلاد وأهلها، كما أحببت في هذه البلاد التزام أهلها وتمسكهم بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف والعادات العربية الأصيلة، فلا أكاد أرى هنا شخصا عمانيا يدخن أو يتعاطى المسكرات، بخلاف بعض البلدان التي لا تكاد تجد المجالس فيها أو المقاهي أو حتى مكاتب الدوائر الحكومية والخاصة تخلو من شرب الدخان، وما سرني كثيرًا أيضًا عندما أدخل المسجد أجده ممتلئا بالمصلين، يصلون معًا من مختلف المذاهب دون تفرقة تذكر، وهذه الميزة المعهودة في هذا الشعب أحببتها كثيرا حيث إنهم لا يعادون أحدا يختلف معهم في الفكر أو المذهب أو في العقيدة، فقد التقيت هنا مع ثلة من الناس ووجدت فيهم التسامح والتآلف والتعايش والمحبة.
وأضاف: كانت لي زيارة قبل فترة إلى جزر المالديف وقد ارتديت هذه الملابس العمانية التي ارتديها الآن، فوجدت هناك من يتكلم العربية فجاء ليسلم عليّ ويقول لي: هل أنت من عمان؟ فقلت لهم: نعم إنني من عمان قلبا، ومن داغستان هوية، لذلك أنا ارتدي هذه الملابس العمانية وأشعر بالارتياح إليها، كما أنني أحب العمامة العمانية التي تنفردون بها دون غيركم، وأحس بأنها مميزة، لذلك أحببت أن أدوّن هذا الانطباع عن الشعب العماني بما رأيته وما سمعته وما عشته معكم هنا في السلطنة.
حرية ممارسة الشعائر
أما عن أوضاع المسلمين في داغستان، وهل يواجهون صعوبة في ممارسة شعائرهم الدينية أجاب قائلا: في الفترة السابقة للاتحاد السوفييتي وما قبلها من الحكم الشيوعي كان المسلمون يعيشون تحت الظلم والجبروت، وقد طال ذلك الظلم كذلك أصحاب الديانات الأخرى من غير المسلمين كالنصارى واليهود وغيرهم من الديانات السماوية لأن الحكم الشيوعي كان هدفه القضاء على الأديان، وقد تضررنا كثيرا من ذلك الحكم الجائر، ففي تلك الحقبة عاش أجدادنا وآباؤنا لأكثر من سبعين عاما تحت ذلك القهر والظلم والجبروت ولذلك قلّ عدد العلماء، وقد أخبرتني جدتي التي يبلغ عمرها الآن 95 عامًا أنه في عام 1937م جمع النظام الحاكم آنذاك العلماء المسلمين والفقهاء من جميع المناطق من المدن والأرياف إلى مدينة بوناكسك، والتي كان اسمها قديما تمير خان شوراه وهي في ذلك الوقت عاصمة لداغستان فأبادوهم جميعا بطرق وحشية أمام حشد كبير من الناس حيث أمر الإمبراطور الحاكم آنذاك بتقسيمهم إلى مجموعات، فمنهم من أغرق في البحر، ومنهم من أحرق بالنار، ومنهم من أعدم شنقا، ومنهم من رمي بالرصاص، وقد بلغ عدد العلماء الذين أبادوهم بهذه الطرق الوحشية أكثر من 320 عالمًا وفقيهًا، ولم يتبق أحد آنذاك سوى طلبة العلم الذين فروا بدينهم وأخذوا يدرسون خفية في الكهوف والجبال بعيدا عن أعين الناس وهم الذين بحمد الله وببركة دماء أولئك الشهداء أحيوا هذا الدين من جديد، مبينًا أن من ضمن أولئك الطلبة ومن الذين نجوا من تلك المجزرة البشعة سماحة الشيخ أحمد أفندي المفتي الحالي للجمهورية، حيث درس هو ومجموعة من رفاقه 9 سنوات في مغارة لا يعرف أحد عنهم شيئا حتى أهلهم وعشيرتهم ما كانوا يعرفون أين يدرسون، يأتون فقط كل ثلاثة أشهر لزيارة أهاليهم والاطمئنان عليهم، لكنهم ما كانوا يخبرون أحدا بمكانهم وكان عددهم قليل جدا، مشيرًا إلى أنه ببركة أولئك الفتية الذين صبروا على دينهم وتحملوا الأذى والمصاعب استطعنا المحافظة على ديننا ولله الحمد.
وأضاف قائلا: وقد أخبرني شيخي أحمد افندي مفتي الجمهورية بأنه مع تفكك الاتحاد السوفييتي لم يبق في داغستان كلها سوى 27 مسجدا، وكان هو أول من تقلّد وظيفة أول أمام مسجد في مدينة كيزيليورت وهو المسجد الوحيد هناك، أما الآن وبحمد الله أصبح عدد المساجد عندنا 3442 مسجدا منها 2880 مسجدا تقام فيها صلاة الجمعة ويقدر عدد المسلمين معنا أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون مسلم يمثلون 97% من عدد السكان. وأوضح قائلا: دخل الإسلام إلى داغستان في القرن الأول الهجري وبالتحديد عام 22 هجرية وذلك في عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، حيث وصل الصحابة إلى هذه البلاد ونشروا الدين الإسلامي وتوفي البعض منهم هناك ولا تزال قبورهم شاهدة حتى اليوم، مشيرًا إلى أنه يوجد في داغستان 40 قبرا من قبور الصحابة، وعندنا من الآثار قلعة موغلة في القدم وأيضا مسجد بناه العباسيون منذ 1320 عاما، بالإضافة إلى 4 مساجد أثرية في مناطق مختلفة، كما توجد مدارس نظامية تاريخية قديمة بنيت منذ ما يقرب من ألف سنة وبعضها منذ 700 سنة، ولو أنها لا تعمل الآن إلا إن أثأرها التاريخية لا تزال موجودة شاهدة على دخول الإسلام إلى داغستان.. مؤكدًا أننا اعتنقنا الإسلام منذ العصر الأول لهذا الدين الحنيف لذا فنحن مسلمون أبا عن جد، مشيرًا إلى أن داغستان تعد منارة الإسلام في روسيا الاتحادية ومنها انتشر الإسلام إلى روسيا وما حولها، ولذلك يقول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الدين الإسلامي في روسيا قديم جدًا وهو من الديانات الرسمية في البلاد التي تتكون من: ألإسلام والمسيحية واليهودية، وقد قال في إحدى خطبه: إن الدين الإسلامي من مكونات النسيج الروسي والمسلمون هنا لم يكونوا وافدين إلى هذه الأرض وإنما هم من سكان روسيا الأصليين ولذلك فمن يعادي الإسلام يعاديني.
وأضاف قائلا: نحن ممنونون لآبائنا وأجدادنا على أن حافظوا على دينهم الإسلامي الحنيف ولولاهم لما وصل ألينأ فقد بذلوا جهدا كبيرا وضحّوا بكل ما يملكون من أجل أن يبقى هذا الدين والدعوة إليه وتبليغه إلى الناس كافة جيلًا بعد جيل، ولولاهم لما كنا مسلمين أو مسلمين بالاسم فقط حالنا كحال كثير من البلدان المجاورة التي اضمحل منها الدين وبقي فيها عدد قليل من كبار السن يذكرون الله ويوحدونه ولكنهم لا يعرفون من الإسلام شيئًا آخر، حالهم كحال الروس غير المسلمين ولله الأمر من قبل ومن بعد.
جهود الدعوة والتبليغ
وحول جهودهم من أجل إقامة شعائر الدين والمحافظة على الهوية الإسلامية وتبليغ الدعوة وتعليم الأجيال الناشئة الدين الحنيف أوضح قائلا: تبذل الإدارة الدينية لمسلمي داغستان التي أعمل فيها رئيسًا لقسم العلاقات الخارجية جهدا كبيرا في مجال الدعوة والتبليغ ونشر الدين الإسلامي الحنيف، فعندنا في هذه الدائرة أقسام كثيرة: منها قسم الدعوة وقسم الصحافة والإعلام وقسم المجتمع وقسم الإفتاء ومن أهم هذه الأقسام هو قسم الدعوة الذي يعمل به أكثر من 3 آلاف من الدعاة يتوزعون على مدن وقرى ومناطق وأرياف البلاد يجوبون البلاد ويحضرون المكاتب والمجالس الحكومية والأهلية والجامعات الحكومية والأهلية كما يحضرون المناسبات الاجتماعية والدينية حتى أنهم يذهبون إلى السجون يلقون المحاضرات ويعلمون الناس أمور الدين، وبحمد الله طلبة الشيخ المفتي أحمد أفندي انتشروا الآن في داخل روسيا وخارجها وهم يؤمون الناس في المساجد في روسيا الاتحادية، ومن جهود الإدارة الدينية أيضًا إصدار جريدة إسلامية تخصصية هي جريدة «السلام» ومن خلالها أيضا ننشر الإسلام وهي مجلة نصف شهرية تصدر بـ12 لغة بواقع 150 ألف نسخة لكل طبعة، كما نصدر أيضا مجلة اسمها «الإسلام» وهي مجلة روسية إسلامية وعندنا أيضا قناة تلفزيونية اسمها (NNT) تعنى بالتراث الإسلامي، كذلك قناة إذاعية اسمها (الوطن الإسلامي) وعندنا أيضا مكتبات إسلاميه، بالإضافة إلى المواقع الإلكترونية الإسلامية نستقبل من خلالها أسئلة واستفسارات الجمهور ونرد على تساؤلاتهم، فالحمد لله الجهود واضحة في هذا المجال.
أختلاف الأئمة رحمة
الوحدة الإسلامية ضرورة حياتية يفرضها الواقع ويدعو إليها الدين الحنيف.. كيف تستقرئ واقع المسلمين اليوم؟
هذا الأمر لا بد أن يسعى المسلمون لتحقيقه فقد أراد الله سبحانه وتعالى لنا أن نكون كذلك والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: وكونوا عباد الله إخوانا، وفي حديث آخر: المسلم للمسلم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، ولا بد لنا أن نكون كذلك فهذه شريعتنا التي أوجب الله علينا اتباعها، وإن لم نتحد فلا خير فينا، وإن اتحدنا وكنا يدًا واحدة فلا نزال بخير وذلك وعد الله، مشيرًا إلى أن اختلاف الأئمة رحمة للأمة، ولولا اختلاف العلماء لهلكنا ففي ذلك رحمة وفي ذلك لطف وتسامحٍ، فكل يتبع إمامه ولكن يجب ألا يتصادم مع الآخر، فقد يختلف مع الآخر في رأيه لكن عليه أن لا يرفع يده على أخيه ولا يظلمه، فالنبي الكريم عليه الصلاة والسلام يقول: لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تقاتلوا وكونوا عباد الله إخوانا.. فكيف بالمسلم أن يقتل أخاه المسلم من أجل عرض دنيوي زائل مع أنه يعرف أن هذه الدنيا زائفة زائلة ومؤقتة،، فالحق سبحانه وتعالى يقول: (تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) فهذه الحياة إنما هي دار ابتلاء فالإنسان عليه دائمًا أن يكون مستعدا للقاء الله سبحانه وتعالى وعلى المؤمن دائما ان يكون متصالحا مع نفسه ومع غيره من المسلمين وغيرهم هكذا أمر الله سبحانه تعالى المسلم أن يكون ينشر الخير ويدعو إلى الخير وإلى الإسلام وإلى المحبة والسلام.